كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: فأوحى الله إلى عبده محمد.
قيل: وقد أبهم الله سبحانه ما أوحاه جبريل إلى محمد، أو ما أوحاه الله إلى عبده جبريل، أو إلى محمد ولم يبينه لنا، فليس لنا أن نتعرّض لتفسيره.
وقال سعيد بن جبير: الذي أوحى إليه هو {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1] إلخ، و{أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فآوى} [الضحى: 6] إلخ.
وقيل: أوحى الله إليه أن الجنة حرام على الأنبياء حتى تدخلها، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك.
وقيل: إن {ما} للعموم لا للإبهام، والمراد: كل ما أوحى به إليه، والحمل على الإبهام أولى لما فيه من التعظيم.
{مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى} أي: ما كذب فؤاد محمد صلى الله عليه وسلم ما رآه بصره ليلة المعراج، يقال: كذبه: إذا قال له الكذب، ولم يصدقه.
قال المبرد: معنى الآية: أنه رأى شيئًا فصدق فيه، قرأ الجمهور: {ما كذب} مخففًا، وقرأ هشام، وأبو جعفر بالتشديد {وَمَا} في: {مَا رأى} موصولة أو مصدرية في محل نص {بكذب} مخففًا ومشدّدًا {أفتمارونه على مَا يرى}.
قرأ الجمهور: {أفتمارونه} بالألف من المماراة، وهي المجادلة والملاحاة، وقرأ حمزة، والكسائي: {أفتمرونه} بفتح التاء وسكون الميم، أي: أفتجدونه، واختار أبو عبيد القراءة الثانية.
قال: لأنهم لم يماروه، وإنما جحدوه، يقال: مراه حقه، أي: جحده، ومريته أنا: جحدته، قال: ومنه قول الشاعر:
لأن هَجَوْتَ أَخَا صِدْق وَمْكرُمَة ** لَقَدْ مَرَيْتَ أخًا ما كان يَمْريكا

أي: جحدته.
قال المبرد: يقال: أمرأه عن حقه، وعلى حقه: إذا منعه منه ودفعه.
وقيل: على بمعنى عن، وقرأ ابن مسعود، والشعبي، ومجاهد، والأعرج: {أفتمرونه} بضم التاء من أمريت، أي: أتريبونه وتشكون فيه، قال جماعة من المفسرين: المعنى على قراءة الجمهور: أفتجادلونه، وذلك أنهم جادلوه حين أسري به، فقالوا: صف لنا مسجد بيت المقدس، أي: أفتجادلونه جدالًا ترومون به دفعه عما شاهده وعلمه، واللام في قوله: {وَلَقَدْ رَءاهُ نَزْلَةً أخرى} هي الموطئة للقسم، أي: والله لقد رآه نزلة أخرى، والنزلة: المرة من النزول، فانتصابها على الظرفية، أو منتصبة على المصدر الواقع موقع الحال، أي: رأى جبريل نازلًا نزلة أخرى، أو على أنه صفة مصدر مؤكد محذوف، أي: رآه رؤية أخرى.
قال جمهور المفسرين: المعنى أنه رأى محمد جبريل مرّة أخرى، وقيل: رأى محمد ربه مرّة أخرى بفؤاده {عِندَ سِدْرَةِ المنتهى} الظرف منتصب ب {رآه}، والسدر: هو شجر النبق، وهذه السدرة هي في السماء السادسة، كما في الصحيح، وروي أنها في السماء السابعة، والمنتهى: مكان الانتهاء، أو هو مصدر ميمي، والمراد به: الانتهاء نفسه، قيل: إليها ينتهي علم الخلائق، ولا يعلم أحد منهم ما وراءها، وقيل: ينتهي إليها ما يعرج به في الأرض، وقيل: تنتهي إليها أرواح الشهداء، وقيل غير ذلك.
وإضافة الشجرة إلى المنتهى من إضافة الشيء إلى مكانه {عِندَهَا جَنَّةُ المأوى} أي: عند تلك السدرة جنة تعرف بجنة المأوى، وسميت جنة المأوى لأنه أوى إليها آدم، وقيل: إن أرواح المؤمنين تأوي إليها.
قرأ الجمهور {جنة} برفع جنة على أنها مبتدأ، وخبرها الظرف المتقدّم.
وقرأ عليّ، وأبو الدرداء، وأبو هريرة، وابن الزبير، وأنس، وزر بن حبيش، ومحمد بن كعب، ومجاهد، وأبو سبرة الجهني: (جنه) فعلًا ماضيًا من جنّ يجن، أي: ضمه المبيت، أو سترة إيواء الله له، قال الأخفش: أدركه، كما تقول: جنه الليل أي: ستره وأدركه، والجملة في محل نصب على الحال {إِذْ يغشى السدرة مَا يغشى} العامل في الظرف {رآه} أيضًا، وهو ظرف زمان، والذي قبله ظرف مكان، والغشيان بمعنى: التغطية والستر، وبمعنى الإتيان، يقال: فلان يغشاني كل حين أي: يأتيني، وفي الإبهام في قوله: {مَا يغشى} من التفخيم ما لا يخفى، وقيل: يغشاها جراد من ذهب، وقيل: طوائف من الملائكة.
وقال مجاهد: رفرف أخضر، وقيل: رفرف من طيور خضر، وقيل: غشيها أمر الله، والمجيء بالمضارع لحكاية الحال الماضية استحضارًا للصورة البديعة، أو للدلالة على الاستمرار التجددي.
{مَا زَاغَ البصر} أي: ما مال بصر النبي صلى الله عليه وسلم عما رآه {وَمَا طغى} أي: ما جاوز ما رأى، وفي هذا وصف أدب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك المقام، حيث لم يلتفت، ولم يمل بصره، ولم يمده إلى غير ما رأى، وقيل: ما جاوز ما أمر به {لَقَدْ رأى مِنْ ءايات رَبّهِ الكبرى} أي: والله لقد رأى تلك الليلة من آيات ربه العظام ما لا يحيط به الوصف، قيل: رأى رفرفًا سدّ الأفق، وقيل: رأى جبريل في حلة خضراء قد ملأ ما بين السماء والأرض له ستمائة جناح، كذا في صحيح مسلم، وغيره، وقال الضحاك: رأى سدرة المنتهى، وقيل: هو كل ما رآه تلك الليلة في مسراه وعوده، و{من} للتبعيض، ومفعول رأى: الكبرى، ويجوز أن يكون المفعول محذوفًا، أي: رأى شيئًا عظيمًا من آيات ربه، ويجوز أن تكون {من} زائدة.
{أَفَرَءيْتُمُ اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى} لما قصّ الله سبحانه هذه الأقاصيص قال للمشركين، موبخًا لهم ومقرّعًا {أَفَرَءيْتُمُ} أي: أخبروني عن الآلهة التي تعبدونها من دون الله هل لها قدرة توصف بها؟ وهل أوحت إليكم شيئًا، كما أوحى الله إلى محمد، أم هي جمادات لا تعقل ولا تنفع؟ ثم ذكر هذه الأصنام الثلاثة التي اشتهرت في العرب، وعظم اعتقادهم فيها.
قال الواحدي وغيره: وكانوا يشتقون لها أسماء من أسماء الله تعالى، فقالوا: من الله اللات، ومن العزيز العزّى، وهي تأنيث الأعزّ بمعنى العزيزة، ومناة من منى الله الشيء: إذا قدّره.
قرأ الجمهور {اللات} بتخفيف التاء، فقيل: هو مأخوذ من اسم الله سبحانه كما تقدّم، وقيل: أصله: لات يليت، فالتاء أصلية، وقيل: هي زائدة، وأصله لوى يلوي؛ لأنهم كانوا يلوون أعناقهم إليها، أو يلتون عليها، ويطوفون بها.
واختلف القراء هل يوقف عليها بالتاء، أو بالهاء؟ فوقف عليها الجمهور بالتاء، ووقف عليها الكسائي بالهاء، واختار الزجاج، والفراء الوقف بالتاء؛ لاتباع رسم المصحف، فإنها تكتب بالتاء، وقرأ ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، ومنصور بن المعتمر، وأبو الجوزاء، وأبو صالح، وحميد: (اللات) بتشديد التاء، ورويت هذه القراءة عن ابن كثير، فقيل: هو اسم رجل كان يلتّ السويق، ويطعمه الحاج، فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه، فهو اسم فاعل في الأصل غلب على هذا الرجل.
قال مجاهد: كان رجلًا في رأس جبل يتخذ من لبنها وسمنها حيسًا، ويطعم الحاج، وكان ببطن نخلة فلما مات عبدوه.
وقال الكلبي: كان رجلًا من ثقيف له صرمة غنم، وقيل: إنه عامر بن الظرب العدواني، وكان هذا الصنم لثقيف، وفيه يقول الشاعر:
لا تنْصُروا اللاتَ إنَّ اللهَ مُهْلِكُها ** وَكَيْفَ يَنْصُرُكُمْ مَنْ لَيْسَ يَنْتَصِرُ

قال في الصحاح: و{اللات} اسم صنم لثقيف، وكان بالطائف، وبعض العرب يقف عليها بالتاء، وبعضهم بالهاء {والعزى}: صنم قريش، وبني كنانة.
قال مجاهد: هي شجرة كانت بغطفان، وكانوا يعبدونها، فبعث إليها النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد، فقطعها، وقيل: كانت شيطانة تأتي ثلاث سمرات ببطن نخلة.
وقال سعيد بن جبير: العزى: حجر أبيض كانوا يعبدونه.
وقال قتادة: هي بيت كان ببطن نخلة {ومناة}: صنم بني هلال.
وقال ابن هشام: صنم هذيل وخزاعة.
وقال قتادة: كانت للأنصار.
قرأ الجمهور {مناة} بألف من دون همزة، وقرأ ابن كثير، وابن محيصن، وحميد، ومجاهد، والسلمي بالمدّ والهمز.
فأما قراءة الجمهور، فاشتقاقها من منى يمنى، أي: صبّ؛ لأن دماء النسائك كانت تصب عندها يتقرّبون بذلك إليها.
وأما على القراءة الثانية، فاشتقاقها من النوء، وهو المطر؛ لأنهم كانوا يستمطرون عندها الأنواء، وقيل: هما لغتان للعرب، ومما جاء على القراءة الأولى قول جرير:
أزيد مناة توعد يابن تيم ** تأمل أين تاه بك الوعيد

ومما جاء على القراءة الأخرى قول الحارثي:
ألا هَلْ أتى التَّيْم بن عبد مناءة ** على السر فيما بيننا ابنُ تَمِيمِ

وقف جمهور القراء عليها بالتاء اتباعًا لرسم المصحف، ووقف ابن كثير، وابن محيصن عليها بالهاء.
قال في الصحاح: ومناة اسم صنم كان بين مكة والمدينة، والهاء للتأنيث، ويسكت عليها بالتاء، وهي لغة.
قوله: {الثالثة الأخرى} هذا وصف لمناة، وصفها بأنها ثالثة، وبأنها أخرى، والثالثة لا تكون إلاّ أخرى.
قال أبو البقاء: فالوصف بالأخرى للتأكيد، وقد استشكل وصف الثالثة بالأخرى، والعرب إنما تصف به الثانية، فقال الخليل: إنما قال ذلك لوفاق رؤوس الآي كقوله: {مَآرِبُ أخرى} [طه: 18] وقال الحسين بن الفضل: فيه تقديم وتأخير، والتقدير: أفرأيتم اللات والعزّى الأخرى ومناة الثالثة.
وقيل: إن وصفها بالأخرى لقصد التعظيم؛ لأنها كانت عند المشركين عظيمة، وقيل: إن ذلك للتحقير والذم، وإن المراد المتأخرة الوضيعة، كما في قوله: {قالتْ أُخْرَاهُمْ لأولاهم} [الأعراف: 38] أي: وضعاؤهم لرؤسائهم.
ثم كرّر سبحانه توبيخهم وتقريعهم بمقالة شنعاء قالوها، فقال: {أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى} أي: كيف تجعلون لله ما تكرهون من الإناث، وتجعلون لأنفسكم ما تحبون من الذكور، قيل: وذلك قولهم: إن الملائكة بنات الله، وقيل: المراد: كيف تجعلون اللات، والعزّى ومناة، وهي إناث في زعمكم، شركاء لله، ومن شأنهم أن يحتقروا الإناث.
ثم ذكر سبحانه أن هذه التسمية، والقسمة المفهومة من الاستفهام قسمة جائرة، فقال: {تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضيزى} قرأ الجمهور {ضيزى} بياء ساكنة بغير همزة، وقرأ ابن كثير بهمزة ساكنة، والمعنى: أنها قسمة خارجة عن الصواب، جائرة عن العدل، مائلة عن الحق.
قال الأخفش: يقال: ضاز في الحكم، أي: جار، وضازه حقه يضيزه ضيزًا، أي: نقصه وبخسه، قال: وقد يهمز، وأنشد:
فإن تَنْأء عَنَّا نَنْتِقصْك وإِن تَغِبْ ** فحقك مضئؤوز وَأنفُكَ رَاغِمُ

وقال الكسائي: ضاز يضيز ضيزًا، وضاز يضوز ضوزًا: إذا تعدى وظلم وبخس وانتقص، ومنه قول الشاعر:
ضازَتْ بنو أَسدٍ بِحُكمِهِم ** إِذْ يَجْعَلُون الرأسَ كالذَّنَبِ

قال الفراء: وبعض العرب يقول: {ضئزى} بالهمز، وحكى أبو حاتم عن أبي زيد أنه سمع العرب تهمز ضيزى، قال البغوي: ليس في كلام العرب فعلى بكسر الفاء في النعوت إنما تكون في الأسماء مثل ذكرى، قال المؤرج: كرهوا ضم الضاد في ضيزى، وخافوا انقلاب الياء واوًا وهي من بنات الواو، فكسروا الضاد لهذه العلة، كما قالوا في جمع أبيض: بيض، وكذا قال الزجاج: وقيل: هي مصدر كذكرى، فيكون المعنى: قسمة ذات جور وظلم.
ثم ردّ سبحانه عليهم بقوله: {إِنْ هي إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَءآبَاؤُكُم} أي: ما الأوثان، أو الأصنام باعتبار ما تدعونه من كونها آلهة إلاّ أسماء محضة، ليس فيها شيء من معنى الألوهية التي تدعونها؛ لأنها لا تبصر ولا تسمع، ولا تعقل ولا تفهم، ولا تضر ولا تنفع، فليست إلاّ مجرّد أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم، قلد الآخر فيها الأول.
وتبع في ذلك الأبناء الآباء، وفي هذا من التحقير لشأنها ما لا يخفى، كما تقول في تحقير رجل: ما هو إلاّ اسم إذا لم يكن مشتملًا على صفة معتبرة، ومثل هذه الآية قوله تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا} [يوسف: 40] يقال: سميته زيدًا وسميته بزيد، فقوله: {سميتموها} صفة لأصنام، والضمير يرجع إلى الأسماء لا إلى الأصنام، أي: جعلتموها أسماء لا جعلتم لها أسماء.
وقيل: إن قوله: {هِىَ} راجع إلى الأسماء الثلاثة المذكورة، والأوّل أولى {مَّا أَنزَلَ الله بِهَا مِن سلطان} أي: ما أنزل بها من حجة ولا برهان.
قال مقاتل: لم ينزل لنا كتابًا لكم فيه حجة، كما تقولون: إنها آلهة، ثم أخبر عنهم بقوله: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظن} أي: ما يتبعون فيما ذكر من التسمية، والعمل بموجبها إلاَّ الظنّ الذي لا يغني من الحق شيئًا، والتفت من الخطاب إلى الغيبة إعراضًا عنهم وتحقيرًا لشأنهم، فقال: {وَمَا تَهْوَى الأنفس} أي: تميل إليه، وتشتهيه من غير التفات إلى ما هو الحق الذي يجب الاتباع له.
قرأ الجمهور {يتبعون} بالتحتية على الغيبة، وقرأ عيسى بن عمر، وأيوب، وابن السميفع بالفوقية على الخطاب، ورويت هذه القراءة عن ابن مسعود، وابن عباس، وطلحة، وابن وثاب {وَلَقَدْ جَاءهُم مّن رَّبّهِمُ الهدى} أي: البيان الواضح الظاهر بأنها ليست بآلهة، والجملة في محل نصب على الحال من فاعل يتبعون، ويجوز أن يكون اعتراضًا، والأوّل أولى.
والمعنى: كيف يتبعون ذلك، والحال أن قد جاءهم ما فيه هدًى لهم من عند الله على لسان رسوله الذي بعثه الله بين ظهرانيهم، وجعله من أنفسهم.
{أَمْ للإنسان مَا تمنى} {أم} هي المنقطعة المقدرة ببل، والهمزة التي للإنكار، فأضرب عن اتباعهم الظنّ الذي هو مجرّد التوهم، وعن اتباعهم هوى الأنفس، وما تميل إليه، وانتقل إلى إنكار أن يكون لهم ما يتمنون من كون الأصنام تنفعهم، وتشفع لهم.
ثم علل انتفاء أن يكون للإنسان ما تمنى بقوله: {فَلِلَّهِ الآخرة والأولى} أي: أن أمور الآخرة والدنيا بأسرها لله عزّ وجلّ، فليس لهم معه أمر من الأمور، ومن جملة ذلك أمنياتهم الباطلة، وأطماعهم الفارغة، ثم أكد ذلك، وزاد في إبطال ما يتمنونه، فقال: {وَكَمْ مّن مَّلَكٍ في السموات لاَ تُغْنِى شفاعتهم شَيْئًا} وكم هنا هي الخبرية المفيدة للتكثير، ومحلها الرفع على الابتداء، والجملة بعدها خبرها، ولما في {كم} من معنى التكثير، جمع الضمير في شفاعتهم مع إفراد الملك، والمعنى: التوبيخ لهم بما يتمنون، ويطمعون فيه من شفاعة الأصنام مع كون الملائكة مع كثرة عبادتها، وكرامتها على الله لا تشفع إلاّ لمن أذن أن يشفع له، فكيف بهذه الجمادات الفاقدة للعقل والفهم، وهو معنى قوله: {إِلاَّ مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ الله} لهم بالشفاعة {لِمَن يَشَاء} أن يشفعوا له {ويرضى} بالشفاعة له لكونه من أهل التوحيد، وليس للمشركين في ذلك حظّ، ولا يأذن الله بالشفاعة لهم ولا يرضاها؛ لكونهم ليسوا من المستحقين لها.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس {والنجم إِذَا هوى} قال: إذا انصبّ.
وأخرج ابن المنذر عنه قال: هو الثريا إذا تدلت.
وأخرج عنه أيضًا قال: أقسم الله أن ما ضلّ محمد، ولا غوى.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {ذُو مِرَّةٍ} قال: ذو خلق حسن.